يَحتفل العالم العربي اليوم بلغته القومية. في احتفاليّاتِه إسرافٌ وتضليل: فواقعُ الضاد في عَصرنا، ورغم ضخامة ما أُنجز في خدمتها، لا يبعث البتةَ على التغني ولا على الاحتفاء، بل على فضلٍ من التأمل والتفكير: فها هي ملايين الشباب العربي تَهجرها، غير آبهةٍ، نحو اللغات الأجنبية. لا ترى فيها سوى رمزٍ للتخلّف وسجنٍ، من الماضي، مَقيت. وفي وسائط التواصل الاجتماعي، وهي عماد التفاعل في بلادنا، يَستبدلها الرُّواد باللهجات المحكية، بل وبالحروف اللاتينية وحتى بالأرقام في خليطٍ ممجوج. وأما وسائل الإعلام، فقد باتت أميلَ إلي استعمال العربية الوسطى خلال فواصل خاطفة، لتلقيَ بقية برامجها بلسان هَجين. كما تخلّى عنها الخطباء في مَحافلهم الرسمية ومحاضراتهم العلمية، بل وحتى في الخطب المنبرية بعد أن كانوا، وهم القائمون على هذه الدوائر، من أوفى الراعين للضاد الأمناء على صفائها.
وفي المقابل، تبدو المبادرات الجادة الذي بذلها مُؤيدو الحفاظ عليها أضعف من أن تُواجه كل هذه الهجمات أو أن تصمد في الجبهات وقد تمددت مخاطرها وضعُف السلاح. ولذا، يجدر أن يكون عيد الضاد، لا مناسبةً للتغني ولا لحظةً للتباكي، بل سانحة نَغتنمها للتفكير في اقتراح حلولٍ ملموسة تضمن تواصل اللسان الفصيح عبر الأجيال ومصالَحَته مع الحداثة وما بعدها. ومن ذلك، تيسير قواعده، وجسر الهوة بينه وبين اللهجات، وترسيخه في مناحي الحياة اليومية كافّة، وتحبيب الناشئة فيه، وإزالة ما يحيط به من أوهام التقديس، ونشره في قنوات التواصل، وربما فرض الحد الأدنى منه في آليات التعامل بين العرب. بإيجاز: ما تبقى هو مشروع كامل للنهوض بلغةٍ تسير نحو حتفها، إن لم تُحمَ من هجماتٍ، من الداخل مأتاها أكثر من الخارج.